القائمة الرئيسية

الصفحات

العلاقات الجزائرية مع فرنسا بين 1519 و1830

الجزائر وفرنسا
العلاقات الجزائرية الفرنسية

 

 

أولا: بداية العلاقات الجزائرية الفرنسية 

      تميزت العلاقات الجزائرية الفرنسية في أواخر ق 16م بالتعاون عندما قدمت الجزائر لفرنسا المساعدة في حربها ضد جنوة سنة 1535م، وحصول فرنسا على حق التمثيل الدبلوماسي وتعين أول قنصل أوروبي بالجزائر بارتول من مرسيليا (1)، وكانت فرنسا تغير قناصلها كل 6 أو سبع سنوات مقابل ذلك ترسل الهدايا التي تعبر عن الصداقة بين البلدين، حيث كل عام ترسل غرفة التجارة بمرسيليا هدية شهرية من التفاح والكستناء والعصائر( 2).

      وساهم التقارب العثماني الفرنسي في حصول فرنسا على بعض الامتيازات التجارية خاصة صيد المرجان من السواحل الجزائرية، وكان صيد الأصداف من الساحل الجزائري من أهم مظاهر العلاقات التجارية في ذلك العصر لأنه كان من أدوات الزينة الهامة في أوربا( 3).

 وارتبطت الجزائر وفرنسا بالميدان التجاري وقد سيطر على العلاقات بين البلدين في فترة من الزمن، فسار بها نحو إتباع السياسة المرنة، وذلك حفاظا على استمرارية التعاون بين الطرفين. فقد أصبحت غرفة مارسليا تشرف على إدارة هذه العلاقات، كما كان لها التفوق على بعض الميادين السياسية الفرنسية ذاتها إذ كانت تتمتع بحق تعيين القناصل في الجزائر(4)، وامتازت الدبلوماسية الجزائرية في هذه الفترة أنها أدخلت أساليب ومبادئ لم تكن معهودة لديها من قبل في تعاملها الدبلوماسي مع الدول الأوربية وهي :

- التعاقد المباشر مع الجزائر.

- ضرورة الفصل بين القضايا العامة ومصالح الأشخاص.

- الفصل بين العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية.

- تأمين الرعايا الأجانب حتى وان كانوا ينتمون إلى دولة في حالة حرب مع الجزائر(5).

      عند مقارنة العلاقات بين الجزائر والدول الجانبية تجد أن علاقات فرنسا بالجزائر كانت حسنة، فمنذ ق16 م كانت فرنسا تتمتع بامتيازات تجارية خاصة، فكانت لها مؤسسات تجارية في عنابة والقالة ورأس البونة والقل، وكانت هذه المؤسسات تدفع ضرائب سنوية متفق عليها الى الباشا، ومن جهة الى باي قسنطينة، وكانت فرنسا تدفع مقابل ذلك حق صيد المرجان، وتصدير الحبوب الى أوربا(6).

      ويمكن القول بأن العلاقات بين فرنسا والجزائر كانت هادئة، ولكن تخللتها بعض المناوشات مثلا في عام 1620 م كان وفد جزائري قد وصل الى مارسليا ليتفاوض في موضوع حصن فرنسا، وفي هذه الأثناء وصلت أخبار بأن سفن فرنسية تعرضت الهجوم الجزائريين في البحر، فقامت السلطات الفرنسية بقتل أعضاء الوفد، حينئذ أعلنت البحرية الجزائرية حربا على الملاحة الفرنسية في حوض البحر المتوسط حيث قدرت خسائر التجارة الفرنسية من سنة 1629_1634م ب 4 ملايين، ونتيجة لهذا تأثرت التجارة الفرنسية النشطة مع شرق البحر المتوسط تأثرا كبيرا، وأصبحت فرنسا أكثر الدول تعرضا لأخطار الهجمات البحرية الجزائرية(7)، وبعدها اقترح سانسون دي نابليون على الحكومة الفرنسية إتباع وسائل التهدئة، وذلك برد الأسري وتقديم الهدايا اللازمة الى الحكومة والتي قدرت ب 30 ألف جنيه.

معاهدة سانسون نابليون

     وتم إبرام معاهدة باسم سانسون نابليون في 17 سبتمبر 1628م بين الجزائر وفرنسا نصت على ما يلي :

- إعادة فتح الباستون الفرنسي.

- إنشاء مركز تجاري فرنسي دائم في عنابة.

- حرية التجارة وضمانها بالنسبة للفرنسيين.

- حق البواخر الفرنسية في الرسو في أي ميناء جزائري متى داهمتها الأخطار(8)، ولم تدم هذه المعاهدة طويلا وكانت فرنسا أول من نقض المعاهدة بالرغم من المساعي التي بذلتها لعقد السلام بين البلدين، وكانت أعمال القرصنة السبب الرئيسي وراء نقض هذه المعاهدة(9).

وفي سنة 1640م نجح الفرنسيون في الحصول على معاهدة سلام لكن بنودها اعتبرتها فرنسا مهينة لها، ولم ترى هذه المعاهدة النور أبدا، ومنه يتضح من حادثة الباستون أن العلاقات ظلت متوترة، ولم يتوصل الطرفان الى صلح دائم، ومع سمحت الجزائر في عهد الأغوات للتجار الفرنسين بمزاولة نشاطاتهم التجارية وأمر الرياس بعدم التعرض للمراكب الفرنسية بعد حصولها على ضمانات من حكام مرسيليا تتعهد فيها بإرجاع الأسرى الجزائريين، وهذا ما يدل على أن الأيالة الجزائر هي الأخرى كانت لديها رغبة في عقد السلم مع فرنسا(9).

وفي عام 1675م تميزت العلاقات بين البلدين بالهدوء والسلم والمصالحة ورفض الجزائر لسياسة العداء والحرب ويمكن أن نرجع أسبابها إلى المشاكل التي عصفت بالبلاد في هذه الفترة أو اهتمام الرياس الجزائريين بمهاجمة سواحل کلابريا وصقلية وايطاليا ونابل واسبانيا وحتى السواحل البرتغالية، وفي فترة الداي الحاج محمد الذي استأثر صهره بتسيير البلاد ونستنتج هذا التقارب من رسالة الداي الحاج محمد للملك لويس الرابع عشر، المؤرخة في 17 فيفري 1675م وتضمنت العديد من عبارات المودة والاحترام، إضافة لذلك أشار الداي الى هذه الفترة واصفا إياها بفترة السلم والاتفاق مع الفرنسيين بالرغم من اعتقال الجزائريين ل 25 أسيرا فرنسيا، ورفض الجزائر إطلاق سراحهم(10).

ثانيا: العلاقات الجزائرية الفرنسية في عهد الثورة الفرنسية 1789م

      تعرضت فرنسا مع بداية الثورة الفرنسية 1789م لأزمات حادة سياسية واقتصادية ومالية وفي الوقت الذي وجدت فيه فرنسا نفسها في حالة حرب مع معظم الدول الأوربية، وجدت الداي حسن حليفا لها، وكانت فرنسا في هذه الفترة حريصة على علاقتها الودية مع الجزائر(11)، حيث كانت ترى أن الجزائر هي البلد الوحيد القادر على مساعدتها بما تحتاج إليه من مواد غذائية وصناعية ومساعدات مالية(12)، فحصل الفرنسيون على إذن من الداي بشحن كميات كبيرة من اللحوم والجلود والمواد اللازمة التغذية الجنود وتموين الجيش، واقرض الفرنسيين مبالغ كبيرة دون فائدة ليتمكنوا من شراء الحبوب وسمح لسفنهم بالتموين من جميع الموانئ وأمر البحرية الجزائرية باحترام الراية الفرنسية، وتعززت الصداقة أكثر بين الجزائر وفرنسا عندما قام نابليون بونابرت بتحرير الأسرى المسلمين في مالطة وطرد فرسان القديس يوحنا منها سنة 1798م، لكن هذه العلاقات الطيبة لم تستمر فسرعان ما تعكرت بعدما قام نابليون بقيادة الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م(13).

ثالثا: العلاقات الجزائرية الفرنسية ( 1800 _ 1820م )

      وفي سنة 1801م شرع نابليون في التعامل مع داي الجزائر وأعاد السلم بين الجزائر وفرنسا، فوقعت معاهدة في17 ديسمبر 1801م بين المكلف بأعمال ومحافظ العلاقات التجارية للجمهورية الفرنسية وبين مصطفى باشا، وهي المعاهدة التي أكد المعاهدات السابقة المتعلقة بالملاحة والتجارة ووضعت الاتفاقيات والنصوص المتعلقة بالامتيازات الممنوحة لشركة إفريقيا وأمرت باستعادة الأشياء المصادرة ماعدا المتعلقة بتصفية الحسابات الخاصة بمؤخرات الديون(14).

      ولكن سرعان ما توترت العلاقات سبب نوايا القنصل الفرنسي ديبواتانفيل الذي كتب في 2 جويلية 1801م إلى نابليون يحثه على احتلال الجزائر، كما كتب أيضا الكونت دي مونتري إلى نابليون يشرح له مزايا احتلال الجزائر وذلك منتصف شهر أوت 1803م، حيث يري مونتري أن الاستيلاء على الجزائر يمكنهم من القضاء على القرصنة في شمال إفريقيا، وخلق بحرية جديدة وأن السيطرة على تونس والجزائر والمغرب تمكن من السيطرة على كل التجارة في افريقيا(.

      وفي سنة 1806م أخد الداي من الفرنسيين مركز الصيد بعنابة وسلمه للإنجليز الذين تفوقوا على الفرنسيين في البحر الأبيض المتوسط، ثم عقدت فرنسا مرة أخرى معاهدة مع الجزائر تقتضي بأن تدفع ديون اتجاه الجزائر على أن يحترم الداي سفنها في المتوسط، فاستعاد الداي مركز صيد المرجان وسلمه لفرنسا عن طريق الإيجار غير أن الفرنسيين تدخلوا في شؤون الجزائر واسرعوا لحماية الاسبان من الداي مما أدى إلى القطيعة بينهما نهائيا.

      عند نهاية شهر جانفي 1807م أرسلت باريس تعليمات لتانفيل تحدد له خط السير الذي يجب عليه أتباعه في تعامله مع مختلف المسائل المطروحة في الجزائر، وخاصة أن الإمبراطور قد عزم على طلب تدخل الباب العالي لوضع حد لتجاوزات داي الجزائر وضمان تطبيق معاهدة سنة 1804م، لكن محاولات الفرنسيين باءت بالفشل حيث اكتفى الباب العالي بوعده للفرنسيين بإرسال مبعوث إلى الجزائر لتسوية الخلاف القائم مع فرنسا( )، ولكن العلاقات ظلت متوترة إلى غاية احتلال الجزائر سنة 1830م.

أهم الاتفاقيات بين الجزائر وفرنسا

      عقدت الجزائر مع فرنسا منذ ق 16 م مجموعة من الاتفاقيات حيث قدرت بـ: 57معاهدة ما بين 1619م إلى 5 جويلية 1830م تولى رعاية مصالح فرنسا بالجزائر خلالها حولي 90 قنصلا ومبعوثا دبلوماسيا وهذه بعض تلك المعاهدات ( ):

المعاهدة الأولى

 بين الجزائر و فرنسا في 21مارس 1619م و التي تحتوي على 10 بنود ومن بين ما تضمنته بنودها ما يلي :

- البند الأول : كل معاهدات الامتيازات المبرمة بين العاملين السلطان العثماني

ومالك فرنسا من أجل السلم.

- البند الثاني : كل قرصنة أو غارة وكل الأعمال العدائية ستتوقف بين الطرفين، ومن الآن فصاعدا.

- البند الثالث : لضمان عدم خرق هذا الاتفاق من طرف الأفراد والخواص، فلن

يسمح لأي مركب أو سفينة قرصنة بمغادرة الميناء إلا بعد تقديم ضمانات بكونها لن تتعرض للفرنسين( ).

معاهدة السلم المئوية الأولى مع فرنسا 

وكانت في 1689م : احتوت هذه المعاهدة على 31 بند ومن بينها :

- البند الأول : أن المعاهدات بين إمبراطور فرنسا والسلاطين التي سيبرمها مستقبلا سفير فرنسا والمبعوث الخاص لدى الباب العالي من اجل السلم، وستحترم بالإخلاص بدون الإخلال من الطرفين.

- البند الثالث : سيقر السلم في المستقبل بين إمبراطور فرنسا وأمجاد باشا داي والديوان ومليشيا المدينة ومملكة الجزائر بين رعاياها ويستطيعون المتاجرة في كلا البلدين بكل أمان دون التعرض لهم لأي سبب.

- البند الثامن : تستقبل السفن الحربية والتجارية الجزائرية والفرنسية على السواء في موانئ كلا البلدين وتعطى لها كل أنواع المساعدة .

- البند الواحد والثلاثون : إن البنود أعلاه ستثبت ويصادق عليها من طرف إمبراطور فرنسا والباشا داي والديوان وأوجاق المدينة ومملكة الجزائر للعمل بها واحترامها من طرف رعاياهما لمدة مائة سنة( ).

 الحملات الفرنسية على الجزائر 

حملة دي بوفرت على جيجل 1664م

 في سنة 1661م أمر الملك لويس 14 جاسوسه دوكليرفيل بالتوجه للجزائر واحتلال أحد موانئها وقد اقترح دوكليرفيل احتلال بجاية، ولكن الأميرال دي بوفرت فضل ميناء جيجل بحجة أنه يمكن استخدامه للعمل ضد الجزائر وتونس معا.

      وفي سنة 1664 قاد الأميرال دي بوفرت اسطوله المؤلف من 60 سفينة التي تحمل 8 ألاف حيث نجحت في الاستيلاء على جيجل رغم المقاومة العنيفة من الجزائريين، لكن الخلاف بين قائد الحملة كادان وبين قائد الأسطول دي بوفور، عرض الحملة لهجمات شديدة فاضطر الفرنسيون للانسحاب وتكبد خسائر بشرية قدرت بـ1400 شخص( ).

ب.حملة دوكين الاولى 1682م 

في سنة 1682م أبحر دوكين على رأس أسطول عظيم متوجها إلى الجزائر مع أوامر بتخريب المدينة عن أخرها، وفي 29 جويلية كان أمام الجزائر ورفض التفاوض، وقد جاء لمعاقبة الجزائر على مجازفتها في إعلان الحرب على فرنسا، واستمر قصف المدينة من 20 إلى 22 أوت، وفي سبتمبر حاول الجزائريون الهجوم على السفن الحاملة للمدفع، لكنهم أجبروا على التراجع وطلب الداي شروطا، لكن دوكين رفض التفاوض، ولم يستطع احتلال المدينة في 12 سبتمبر وعاد الأسطول الفرنسي إلى فرنسا بنية الرجوع السنة القادمة( ).

ج.حملة دوكين الثانية 1683م 

في سنة 1683م قام دوكين بحملة ثانية على مدينة الجزائر وبدأ بقصف المدينة، وكان أكثر فعالية من قصف السنة الماضية، وقد عرض بابا حسن أن يقبل أي شرط وأرسل الرهائن إلى دوكين وأعاد مئات الأرقاء الفرنسيين دون دفع الفدية، لكن دوكين طلب مبالغ مالية كبيرة كتعويضات لوقف القصف واحتج بابا حسن بأنه لا يستطيع توفير المبلغ الكبير من النقود، وبعدها عرض ميزومورتو ( ) وهو احد الرهائن لدى الفرنسيين وأكثر الرياس تأثيرا، إذ ما سمح له بالنزول فجمع حوله الرياس واغتال بابا حسن، وجعل بابا حسن نفسه دایا منتخبا، ثم أعلن أنه سيقذف من أفواه المدفع الفرنسيين في الجزائر إذا استمر دوكين في القصف، فقد احضر الفرنسيون قنبلتين عظيمتين ومسلحة 84 قنطار من البارود، لكن المدافع فشلت في إطلاق هذا السلاح الوحشي، وهكذا كانت مهمتهم فاشلة ورأي ميزومورتو أن الوقت قد حان لعقد معاهدة( ).

د.حملة دوستري 1688م : في شهر أفريل 1688م

       شرع المرشال دوستري في إعداد حملة عسكرية اتجاه الجزائر، وكتب دوسول رسالة إلى الداي إبراهيم الباشا، وبعض أعضاء الديوان حذرهم فيها من عواقب ما شاع في فرنسا من أن الجزائريين يقذفون الأسرى الفرنسيين من فوهات المدافع وأكد لهم بان فرنسا ستفعل مثل ذلك بالجزائريين، وفي شهر جوان وصل دوستري أمام مدينة الجزائر على رأس 31 مركبا وسفينة وهدد الداي في رسالة ووجهها إليه فرد عليه الداي بنفس الأسلوب وحذره بقتل القنصل والرعايا الفرنسيين، وقذف المدينة بأكثر من 10 ألاف قنبلة بين 1 إلى 16 جوان ودمر أكثر من 5000 منزل، فرد عليه الداي والديوان باعتقال القنصل بيول وكل الرعايا الفرنسيين وقتلوهم جميعا واحدا تلو الآخر وعددهم 43 شخصا، وبعدها توقف دوستري عن القذف ورحل عن الجزائر دون تحقيق ما قدم من اجله واهتم الباشا حسين میزومورتو بإصلاح ما تخرب من المدينة، واستعد الرياس لحرب طويلة الأمد ضد الأساطيل الفرنسية( ).


تعليقات

محتوى المقال